Wednesday, March 4, 2009

ماما .. اعملى الواجب عشان ماتموتيش

Align Rightــ ( 1 ) ــ

" برنامج الحقيقة " قناة دريم ... " مدرس انتقم من تلميذ فألقى به من الطابق الثاني للمدرسة مما أصابه بشرخ في العمود الفقري وكسر في الحوض وكدمات بالغة في كل أنحاء الجسم " .
يقف الطفلُ محدقاً أمام شاشة التليفزيون في صورة التلميذ المدغدغ الذي أفلت من عقوبة الموت بأعجوبة أو قل : بعجز يصاحبه إلي الموت .
منظر التلميذ على سريره بالمشفي يُروع الطفل ، يحفر له علي صخرة ذهنه أهوالاً عن المدرسة والمدرسين ــ وهو طفل دون السادسة ــ فتختلط بأفكاره الحاضرة كل ما سمعه عن الأساطير والاكاذيب والحواديت الخرافية ... فيحاضره وهو واقف محدق معقود الجبين أمام التلفاز " حدوتة الثعلب والعنزة ، وأمنا الغولة ، والفلكة التي كانت في الكتاتيب قديماً ، وأكذوبة الحقنة المحمية علي النار في تطعيم التلاميذ بالمدراس ، وأساطير التلاميذ عن المدرس الخرافي الذي يكسر أصابعهم عند كل معصية أو مخالفة لشريعته .... " ، ويستمر دوران الأفكار المخيفة والخزعبلات حول رأسه ، إلي أن يدير وجهه وعيناه مفتوحتان بكل اتساعهما ، يطأ طأ رأسه قليلا ، يهمس قائلا بعد وصوله لقراره الأخير " أنا مش هاروح المدرسة ... " .

ــ ( 2 ) ــ

ليلا ً ... حوار بين الطفل وأبيه
يدخل على أبيه مكسور الرقبة كالطفل الشيخ ابن الخامسة وشهور ، وابن حزن أكبر من سن أول طفل للبشرية ، إنما في خوفه دافع للصمود وفي قولته ذعر داكن دفين

الطفل : بابا ... أنا مش عاوز أروح المدرسة السنة الجاية
الأب : " في دهشة " .. ليه يا حبيبي
الطفل : مش اللي يروح المدرسة يتعور ويموت
الأب : " يعتدل في جلسته " .. مين قالك الكلام ده
الطفل : أنا شوفت الواد في التليفزيون وكان هيموت في المدرسة ... وبسمع من العيال صحابي اللي هما فى المدرسة كدا
الأب : لا لا لا يا حبيبي مفيش حاجة من الكلام دا خالص ... الأولاد دول هتلاقيهم اشقيا وبيتنططو كتير في المدرسة .. فبيقعوا و يتعورا أو الأستاذ بيعاقبهم براحة عشان بس يقعدوا ساكتين ... لكن مفيش لا حد بيموت ولا حاجة ، ما اهو أنا كنت في المدرسة زمان وكمان ماما ومحصلناش حاجة خالص
الطفل : " في سكات ينظر لأبيه بنظرة تنم عن عدم الاقتناع "
يعنى مفيش حاجة فى المدرسة بتعور العيال ولا الأستاذ مش بيكسرلهم
صوابعهم
الأب : فى قهقهته ... لا يا حبيبي خالص ... لكن الولد الشقي قليل الأدب هو بس اللي بيتعاقب من الأستاذ ويحرمه من الفسحة واللعب ... عشان مش المفروض انك تطنطط في الفصل ولا تكون شقي عشان تتعلم .... صح !!!

ينتهي الحوار بين الطفل وأبيه ، بعدما استطاع أن يزيل بعضاً كثيراً من أفكاره المخيفة عن المدرسة .. ويمسح الخزعبلات والأساطير عن الوحش والموت اللذان يسكنا المدرسة .

ــ ( 3 ) ــ

يقابل " ابن عمه " الذي هو بالصف الثالث الابتدائي وعلى وجهه فوهة جرح وخيوط دم ، وعلي عيونه بقايا دمع متراكم .
يتمعن النظر فيه ، يرتاع قليلا ، ثم يسأله
الطفل : إيه اللي حصلك ؟!!! .. أنتا وقعت !!
ابن عمه : لا ، الأستاذ ضربني وعورني وأنا سبت المدرسة وجريت و رايح أقول لبابا دلوقت
الطفل : الأستاذ ضرررربك ؟ .. ليه هو أنتا اتنططت في الفصل واتشاقيت وقليت أدبك ؟
ابن عمه : لا والله ، أنا عمري أصلا ما اتكلمت في الفصل ولا عملت حاجة خالص وعلى طوول قاعد ساكت
الطفل : " في دهشة وحيرة " .. امال ضربك ليه ؟
ابن عمه : عشان معملتش الواجب النهارضه فضربني بعصايه جريد ولما أيدي هوووفت جت على وشى اتعورت

ــ ( 4 ) ــ

يدخل علي أبيه ... مندفعاً جداً ... غاضباً مشتعلاً

الطفل : بابا ... أنتا كداب
الأب : ولد ... عيب يا حمار يا قليل الأدب ... ليه كدا
الطفل : ابن عمي الأستاذ ضربه في الفصل وعوره ووشه كله دم مع انه ماتنططش ولا عمل شقاوة في الفصل
الأب : امتى الكلام دا ؟
الطفل : من شوية ... الأستاذ ضربه عشان معملش الواجب ... شوفت !! أنا يا عم مش هاروح المدرسة ... أنا مش عاوز أموت

" يفكر الأب قليلا في مشكلة ابن أخيه ، ويحاول التخلص من سذاجة ابنه وأسئلته وحواراته المملة السخيفة ــ كما يعتقد هو ــ .. فيرد "

الأب : شوف يا حبيبي ... أي واحد في الدنيا ميعملش الواجب اللي عليه يستحق الضرب والموت كمان
الطفل : " في استغراب شديد " .. يعنى اللي ميعملش الواجب يموت ، يموت خالص
الأب : ايواااا ... عشان كدا لازم تعمل واجبك وكلنا نعمل واجبنا عشان محدش يكلمنا ولا يعاقبنا ولا يا سيدي يموتنا ... فهمت !!

ــ ( 5 ) ــ

تمر أيام قلائل ، يسمع الطفل زعيق دائر بين أبيه وأمه في حجرتهما
يقف أمام الباب يتصنت أو هو حب استطلاع أو اكتشافات طفل أو جذبه الصوت العالي ، إلا أن يسمع أبيه صارخا فى أمه قائلا : " يا هانم ... انتى مبتعمليش الواجب المفروض عليكي تجاه أسرتك وبيتك " ....
سريعاً يتردد في ذهن الطفل جملة " مبتعمليش الواجب ... مبتعمليش الواجب ... الواجب ... الوااااجب .... "
فيدخل الحجرة مندفعاً كالقطار بلا فرامل .. سريعاً .. مهرولاً .. مذعوراً .. باكياً
يحضن أمه بعصبية وبشدة مرتجفاً صارخاً :
" ماما ... ماتموتيش ، ماتسبنيش ... اعملي الواجب والنبي عشان ماتموتيش ... ماتموتيش ... ماتموتيش ........ "

تمت

كريم بهي

1 comment:

إلي القـــارئ

أنا من أشد المحبين للأطفال خاصة من سن الواحدة حتى الخامسة او السادسة ، احبهم وهم ينعمون بالبراءة والسذاجة التى عادة ما تدفعنى للضحك او السعادة او الحزن او الكآبة أو .......
لكن من الملحوظ جدا والملموس أيضا تطور عقلية الاطفال ولا سيما بعد تجلى ظهور الانترنت و الموبايل وبوابات التطلع والفكر والمدرارك المفتوحة بكل قوة الرياح التكنولوجية
فأصبح ما يصدر عن الاطفال ليس مجرد سذاجة ضاحكة او مبكية بل تحولت كلماتهم البسيطة احيانا لخيط او طريق لمعانى وكلمات اكبر واعمق او لشئ لا يدركوه لكنهم فعلوه
فصار الطفل بطبيعته البسيطة اديبا او اقدر على التعبير بدون ان يدرى بذلك فقد تجمعت البراءة مع العقل فى شئ صغير اسمه لسان الطفل الحكاء والمتسائل بشدة وكثرة ومعنى
لذا فكرت ان يكون هناك أدباَ جديدا للطفل لكن مكتوب للكبار ، وعلينا نحن ـ اقصد المتأملين والمفكرين ـ بحصد وجمع مواقف الاطفال المعبرة والتى تدل على قدرة الاطفال الطبيعية على شحن موجات حزن او فرح لوجدننا بمواقفهم وكلامهم
واظن انه قد فعل هذا من قبل الدكتور ضياء النجار فى احدى تدويناته عن التفرقة العنصرية

لكنى فى هذه المدونة ما اريد انا عمله هو تأليف مواقف جديدة بشخص ولسان الاطفال وبتركيبة معينة تخاطب عقول الكبار ربما بشئ من التحليل او السخرية او النقد او الفكاهه احيانا او.....او
واظن اننى استطيع ولو لم اخلق شيئا جديدا سافتح الباب لشئ جديد فعلا من خلال كتاباتى وشعرى وقصائدى القادمة باذن الله

هو ادب الاطفال المكتوب للكبار

كريم بهي