Wednesday, March 4, 2009

رسالة طفل فلسطينى إلي أبيه الميت

بسم الله الرحمن الرحيم
أبي المرحوم
بعد الدعاء بالرحمة
أمس يا أبي كنت عائدا من المدرسة أحمل تلك الحقيبة الثقيلة على ظهري كما أحملُ أتربة الشوارع التي مشيت بها اثناء المظاهرات كنت متعبا جدا يا أبي بعد طول النهار فى هتافات وصراخ
وبينما انا فى عودتى دخلت من الشارع الذي اعتدت ان تحذرنى منه فأنا تعلمت منك شيئين اثنين اولهما الا اخاف ابدا الا من الله وثانيهما الا ادخل من هذا الشارع الذي يتواجد فيه ( اولاد الكلب ) لكنى دخلت وخالفت الوصية
بالفعل كانوا هناك كعادتهم يقفون وظللت امشى حتى استوقفنى احدهم يا أبى بركلة قوية من رجله اليمنى فى بطني فوقعت على الارض
وداس عليّ بحذاءه الاسود الكبير الملطخ بالوان الاحمر والاصفر والازرق ببقع الدم التى تعرفها جيدا يا ابي وتمعن النظر في وفي حقيبتى وفى وجهي وملابسي وفى عيني ثم شدني بذراعيه فاوقفنى وكاااااد ان يتركني .......ارحل الا انى بصقت فى وجهه ........ اجل يا ابى بصقت فى وجهه كما علمتنى الا اخاف
فلطمنى كثيرا على وجهنى وظل يضربنى ويركلنى كالكرة امامه حتى ادمى وجهي وشفتى وجسدي وشقت رأسي وصرتُ كما شئ مغموس فى بركة دماء
ثم خلعنى ملابسى كلها يا أبي وتحولت كمولود يصرخ ويبكي كمولود لا ينقصه سوى الحبل السري وقفت مخذولا امامه جدا والدماء كقطرات حزن تسيل ودموعي كانصهار طفولتى على خدي


لكن اذكرك يا أبى اننى لم اكن خائفا بالمرة بل كنت عاجزا فقط وجلستُ ساعات وانا افكر فى امي لو رأتني عاريا هكذا ماذا ستفعل ؟ وانا احتمي فى دمائي وبعض الحجارة وظل الحائط الذي ارتكن عليه ، فكرت كثيرا وهو يحتجزني ( ابن الكلب ) وحسبت ان انهي المسألة قبل وصول امي اليّ فاندفعت صارخا نحوه وضربته بقضبتى الصغيرة التى تعرفها يا ابي وما زادنى جرأة الا الخوف الذي لمحته على وجهه اولاً حتى ركلنى بعيدا عنه وصــوّب ماسورة مدفعه الرشاش نحوي ... واستعد لاطلاق الموت علي مجزئا فى بعض الرصاصات وبالفعل لم يفكر كثيرا ( ابن الكلب) واطلق الموت سريعا اليّ


فالرصاصة الاولي ...... آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه
والرصاصة الثانية ...... انكسرت على ركبتيّ
والرصاصة الثالثة ...... ركذت على يدي الصغيرتين
والرصاصة الرابعة ....... انقلبت على ظهري
والرصاصة الخامسة ....... ارتطمت يدي بالارض
والرصاصة السادسة ....... لامس وجهى الدامى الارض برفق
والرصاصة السابعة ....... اخرجت اخر زفير موجوع
والرصاصة الثامنة ........ سكنت بين الدماء
والرصاصة التاسعة ....... اغمضت عينى بدمعة الفراق
والرصاصة العاشرة ....... تركت الدنيا مبتسما دامعا
عشر رصاصات من ماسورة مدفعه ( ابن الكلب ) ارسلتنى للموت برسالة طفل فلسطينى جديد
وها انا الان اجاورك القبر يا أبي ادعوك للزيارة والسكن لروحين من دم واحد
التوقيع
ابنك؛

كريم بهي

No comments:

Post a Comment

إلي القـــارئ

أنا من أشد المحبين للأطفال خاصة من سن الواحدة حتى الخامسة او السادسة ، احبهم وهم ينعمون بالبراءة والسذاجة التى عادة ما تدفعنى للضحك او السعادة او الحزن او الكآبة أو .......
لكن من الملحوظ جدا والملموس أيضا تطور عقلية الاطفال ولا سيما بعد تجلى ظهور الانترنت و الموبايل وبوابات التطلع والفكر والمدرارك المفتوحة بكل قوة الرياح التكنولوجية
فأصبح ما يصدر عن الاطفال ليس مجرد سذاجة ضاحكة او مبكية بل تحولت كلماتهم البسيطة احيانا لخيط او طريق لمعانى وكلمات اكبر واعمق او لشئ لا يدركوه لكنهم فعلوه
فصار الطفل بطبيعته البسيطة اديبا او اقدر على التعبير بدون ان يدرى بذلك فقد تجمعت البراءة مع العقل فى شئ صغير اسمه لسان الطفل الحكاء والمتسائل بشدة وكثرة ومعنى
لذا فكرت ان يكون هناك أدباَ جديدا للطفل لكن مكتوب للكبار ، وعلينا نحن ـ اقصد المتأملين والمفكرين ـ بحصد وجمع مواقف الاطفال المعبرة والتى تدل على قدرة الاطفال الطبيعية على شحن موجات حزن او فرح لوجدننا بمواقفهم وكلامهم
واظن انه قد فعل هذا من قبل الدكتور ضياء النجار فى احدى تدويناته عن التفرقة العنصرية

لكنى فى هذه المدونة ما اريد انا عمله هو تأليف مواقف جديدة بشخص ولسان الاطفال وبتركيبة معينة تخاطب عقول الكبار ربما بشئ من التحليل او السخرية او النقد او الفكاهه احيانا او.....او
واظن اننى استطيع ولو لم اخلق شيئا جديدا سافتح الباب لشئ جديد فعلا من خلال كتاباتى وشعرى وقصائدى القادمة باذن الله

هو ادب الاطفال المكتوب للكبار

كريم بهي